أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

الذكاء الاصطناعي ومستقبل التصميم: تجربة جويل أنجر مع أدوات الجيل الجديد

 


مدخل إلى عالم جديد من الإبداع

شهد مجال التصميم خلال العقدين الماضيين قفزات هائلة بفضل أدوات رقمية مثل Photoshop وIllustrator وFigma. لكن السنوات الأخيرة حملت موجة جديدة من التغيير بفضل الذكاء الاصطناعي، الذي لم يعد مجرد وسيلة مساعدة ثانوية، بل أصبح جزءًا أصيلًا من عملية الإبداع نفسها. هذا التحول يثير الكثير من الأسئلة حول دور المصمم في المستقبل، وكيف يمكن أن يتكيف مع هذا الواقع الجديد دون أن يفقد هويته أو دوره الإبداعي.

في هذا السياق، يبرز اسم جويل أنجر، مدير التصميم في شركة Atlassian، المعروفة بمنتجاتها الشهيرة مثل Trello وConfluence وBitbucket. قضى أنجر سنوات طويلة في تطوير أدوات يستخدمها ملايين الأشخاص حول العالم، واليوم يشاركنا تجربته مع أدوات الذكاء الاصطناعي، وكيف غيرت طريقة تفكيره وتصميمه للمنتجات.

البداية مع القلق المشروع

مثل كثير من المصممين، كان القلق أول ما شعر به جويل عند دخول الذكاء الاصطناعي إلى مجاله. تساءل: هل يمكن لهذه الأدوات أن تحل محل المصممين؟ هل ستختفي وظائفهم في المستقبل القريب؟ لكن مع الممارسة والاقتراب من هذه التكنولوجيا، اكتشف أن الأمر أبعد ما يكون عن الإلغاء أو الاستبدال.

الذكاء الاصطناعي لا يُنتج الأفكار من العدم، بل يعتمد على ما يقدمه المصمم من محفزات ورؤى. الدور الأساسي يبقى في يد الإنسان، الذي يحدد الاتجاهات الكبرى ويقود التجربة. كل ما يفعله الذكاء الاصطناعي هو تسريع عملية التنفيذ وتحويل الأفكار إلى نماذج ملموسة بشكل أسرع. وهنا تكمن القيمة الحقيقية لهذه الأدوات.

Trello من لوحة مهام إلى منصة إنتاجية متكاملة

واحدة من أبرز التجارب التي خاضها جويل كانت مع Trello، الأداة المعروفة بتنظيم المهام عبر أسلوب البطاقات والأعمدة. في السنوات الأخيرة، تحولت هذه الأداة إلى ما يشبه منصة إنتاجية شخصية، قادرة على استيعاب مدخلات من تطبيقات خارجية مثل Slack والبريد الإلكتروني وتطبيقات الملاحظات.

هذا التحول لم يكن مجرد إضافة وظائف جديدة، بل تطلّب إعادة تصور واجهة الاستخدام بالكامل. فبدلًا من الاعتماد على التنقل بين أقسام منفصلة، أصبح بإمكان المستخدم الجمع بين البريد الوارد والمخطط واللوحات في مساحة واحدة، مع إمكانيات السحب والإفلات لتخصيص التجربة بشكل مرن.

هنا برز دور الذكاء الاصطناعي في تسريع عملية اختبار هذه التجربة. بدلاً من الاكتفاء برسومات جامدة في Figma، استخدم جويل أدوات مثل Cursor لتوليد نماذج تفاعلية يمكن اختبارها مباشرة. هذا الاختصار للوقت مكّن الفريق من الاستجابة بسرعة لملاحظات المستخدمين، مثل الرغبة في تغيير حجم اللوحات لتناسب مختلف أنواع الشاشات.

من الصور إلى الأكواد: قوة النماذج التفاعلية

واحدة من اللحظات الفارقة في تجربة جويل كانت عندما اكتشف أنه يستطيع ببساطة أخذ صورة من Figma، ولصقها في أداة الذكاء الاصطناعي مع طلب بسيط: "ابنِ نظام بثلاث لوحات قابلة للسحب والإفلات". خلال دقائق، حصل على كود يمكن استعراضه كنموذج أولي حي.

هذا لا يعني أن الكود الناتج كان جاهزًا للإنتاج النهائي، ففريق الهندسة كان بحاجة إلى إضافة اختبارات وضمانات للجودة. لكن قيمة التجربة تكمن في فتح باب النقاش بسرعة، وتوضيح الفكرة عمليًا بدلًا من شرحها نظريًا. النماذج التفاعلية القصيرة تختصر ساعات من التواصل والشرح، وتسمح للمصمم بالتركيز على تحسين القرارات الإبداعية بدلًا من الغرق في التفاصيل التقنية.

الذكاء الاصطناعي كمنقذ في اللحظات الحرجة

أحيانًا تأتي الطلبات المفاجئة في أحرج الأوقات. قبل إطلاق تحديث مهم، طُلب من جويل وفريقه تغيير الشعار المتحرك عبر المنتجات. في البداية بدا الأمر بسيطًا، لكنه اكتشف أن الشعار عبارة عن صورة GIF قديمة متحركة، مما يعني إعادة إنشائه يدويًا باستخدام أدوات متقدمة مثل After Effects.

لكن بدلًا من إضاعة ساعات في هذه المهمة، لجأ جويل إلى الذكاء الاصطناعي. أدخل نسخة SVG من الشعار في الأداة، وطلب إنشاء حركة مشابهة للصورة الأصلية. خلال وقت قصير حصل على نتيجة مذهلة، دون الحاجة إلى مجهود مرهق. هذه التجربة أبرزت جانبًا آخر مهمًا: الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة للتجارب المبكرة، بل يمكن أن يكون حلًا عمليًا في الظروف الطارئة.

Midjourney والاستكشاف البصري

لم يقتصر الأمر على الواجهات أو الأكواد، بل امتد إلى مجال الإبداع البصري. استخدم جويل أداة Midjourney لاختبار إمكانيات جديدة في الرسوم التوضيحية، وخاصة مع شخصية "تاكو"، التميمة المحببة لمستخدمي Trello.

عن طريق إدخال صور بالأبيض والأسود أو شعارات بسيطة، تمكّن من توليد عشرات الأشكال المرئية المختلفة، مثل تحويل الشعار إلى جزيرة أو مشهد طبيعي. هذه النتائج لم تكن مثالية دائمًا، لكنها شكلت لوحة مزاجية أو ما يُعرف بـ Mood Board، ساعدت الفريق على استكشاف اتجاهات جديدة واتخاذ قرارات بصرية جماعية.

الفائدة الكبرى لم تكن في الناتج النهائي بقدر ما كانت في فتح مساحة للنقاش والتجريب، وهو ما يمنح فريق التصميم فرصة لرؤية الأفكار من زوايا غير متوقعة.

من القلق إلى الثقة

بعد سلسلة طويلة من التجارب، تحوّل قلق جويل الأولي إلى قناعة راسخة بأن الذكاء الاصطناعي لا يسلب المصمم عمله، بل يضاعف من قيمته. الفارق أن المصمم لم يعد مقيدًا بالأدوات اليدوية التي تستهلك وقته، بل أصبح بإمكانه التركيز على ما هو جوهري: حل المشكلات الإبداعية، وصياغة التجربة بشكل متكامل.

الذكاء الاصطناعي أتاح له أن يعمل على أعلى مستويات الحرفة: الحركة، التفاعل، العلامة التجارية، والابتكار. هذه المجالات لم يعد من الممكن الاستغناء فيها عن لمسة إنسانية، لأنها تعتمد على الذوق، والرؤية، والقدرة على الربط بين احتياجات المستخدم وأهداف المنتج.

التحديات والقيود

رغم الحماس الكبير، يعترف جويل بوجود قيود لهذه الأدوات. على سبيل المثال، بعض المهام البسيطة مثل ضبط الاستجابات التفاعلية لمختلف أحجام الشاشات لا تزال معقدة بالنسبة للذكاء الاصطناعي. كما أن غياب القدرة على رؤية المتصفح أو السياق الكامل يجعل النتائج غير دقيقة أحيانًا، ما يضطر المصمم إلى إدخال لقطات شاشة متعددة لتوضيح الفكرة.

لكن هذه العقبات ليست عوائق نهائية، بل هي نقاط في مسار تطور الأدوات. من المرجح أن تتقلص هذه الفجوات مع تطور الذكاء الاصطناعي، ليصبح أكثر وعيًا بسياق العمل وأدواته.

ما الذي يحتاجه المصممون اليوم؟

بحسب جويل، أهم خطوة لأي مصمم يرغب في مواكبة هذا التحول هي البدء باستخدام أداة مثل Cursor، حتى لو تطلب الأمر بعض المساعدة التقنية من مطور في البداية. بمجرد إتقان هذه الأدوات، سيكتشف المصمم أنه يستطيع مضاعفة إنتاجيته بشكل لم يكن يتخيله.

الأمر لا يتعلق فقط بسرعة الإنجاز، بل أيضًا بقدرة المصمم على استكشاف أفكار جديدة، والتجريب دون خوف من إضاعة الوقت. الذكاء الاصطناعي يحول عملية التصميم من سلسلة خطوات بطيئة إلى رحلة ديناميكية مليئة بالفرص.

 شراكة بين الإنسان والآلة

تجربة جويل أنجر تكشف بوضوح أن الذكاء الاصطناعي ليس خصمًا للمصمم، بل شريكًا جديدًا يفتح له آفاقًا واسعة. صحيح أن دخول هذه الأدوات أحدث صدمة أولية وطرح تساؤلات حول مستقبل المهنة، لكن النتيجة النهائية كانت إيجابية بشكل يفوق التوقعات.

المصمم في عصر الذكاء الاصطناعي ليس مجرد منفذ لرسومات أو أكواد، بل هو مفكر استراتيجي يقود رحلة الإبداع من الفكرة إلى التجربة المتكاملة. الأدوات الجديدة تمنحه سرعة، ومرونة، وقدرة على التجريب، لكنها لا يمكن أن تحل محل حسه الفني ورؤيته الإنسانية.

ربما هذا هو الدرس الأهم: في المستقبل، لن يُقاس تميز المصممين بقدرتهم على استخدام البرامج التقليدية فقط، بل بمدى قدرتهم على توظيف الذكاء الاصطناعي كامتداد لفكرهم الإبداعي. من يتقن هذه الشراكة سيكون قادرًا على صياغة تجارب رقمية أكثر عمقًا وإلهامًا، تجعل التقنية وسيلة لخدمة الإنسان لا العكس.

تعليقات